ننشر هنا نص الشاعر والروائي ال?لسطيني مريد البرغوثي الذي رحل عن عالمنا ?ي شباط/?براير الماضي، يكتب ?ي ح?ل تأبين لزوجته الروائية والناقدة رضوى عاشور التي رحلت ?ي العام ٢٠١٥.

ا?تحوا الأبواب لتدخل السيدة

من ينشغل بحزنه على ?قد المحبوب ينشغل عن المحبوب

الآن أطلب من حزني أن يتجه إلى أقرب بوابة ويغادر

هادئً كما جاء أو هادراً كما يشاء ولكن لا يلوث الأنظار

لا ي?عجبني جوعه ولا تلكأه

أنا أكاد اكرهه تحديدًا لهذا السبب

كأنه حزنٌ لا يثق بن?سه

وكأنه إن اكت?ى اخت?ى

كأننا لم نشاركه مقعده ومخدته ومنديله و ملمس حذائه على زجاج ساعتنا

لست أنت المهم اليوم ولا أنا أيها الحزن

أنا منشغل بها لا بك أنت

بسعيها العسير للنصر ?ي مواجهات زمانها

واجهت السرطان خمسة وثلاثين عاماً

ومحدثوها لا يرون ?ي حديقة لقائها إلا أشجار السرور و?اكهة السماحة والرضا

واجهت السائد المت?ق عليه

واجهت الطاغية المسكوت عنه

وواجهت حتى الرمق الأخير والرمق الأغلى ركاكة الناطقين باسمنا

وركاكة الضوء المشترى

وركاكة الكلام وطقوس الهوانم

هي التي جعلت لقلبها يداً م?نص?ة? تصا?ح الأضع? وتص?ع? جملة الطاغية وشبه جملته

يداً تسهر الليالي لتصحح الواقع .. والامتحان

هي التي جعلت هشاشتها اسماً آخر للصلابة

هي التي علمت الديكتاتور كي? تر?ض انتباهه المشبوه لقيمتها

و?ي سلة مهملات واسعة ق?رب حذائها الصغير – نمرته خمس وثلاثون-

ترمي المناصب الثمينة المعروضة والألقاب الر?يعة المقترحة

ودعوات الحظيرة القصر التي يهرول إليها سواها

م?كت?ية? ب?رح القارئ? لبرق السطور من يدها

هي الأستاذة صوتها ينادي أصوات ط?لابها لا آذانهم

لأن صوتها ي?سم?ع? ويسمع

ولأنها لم تسع إلى أي ضوء

غدت بذاتها ضوءً ?ي عتمة البلاد

وضوءً بين أغل?ة الكتب

وضوءً من أضواء اللغة العربية

التي هي البطل الدائم? والأول ?ي روايتها

اخرج من أقرب بوابة يائسة أيها الحزن

ودعني استبدل بك ابتسامتها

التي تذه?ب? حزن الرائي

?ابتسامتها رأي وموضع خطوتها رأي وعناد قلبها رأي وعزلتها عن ثقا?ة السوق رأي

ودائماً جعلت رأيها معرو?اً موقعاً بإمضائها

رغم زوار ال?جر و?جور الطاغية

يروح طاغية وطاغيةٌ يجيء

رضوى جمال? رأيها ورأيها جمالها

?المظلوم يخسر إن لم يكن ?ي جوهره أجمل من الظالم

وهي لم تخسر جمالها حتى وهم يؤذونها بالقب

ولم تخسر جمالها حتى وهي على م?خدتها الأخيرة

سيدة? قليلة الجسد ي?تع?ب?ك تتبع خ?طاها

تهدم السور ال?اصل بين الجامعة وعموم الناس

تظنها على مرت?عها الأكاديمي ?تراها على أس?لت الميدان

ذائبة ?ي تدا?ع التحرير العظيم والكدمات التي ت?وج?ع?ها ت?وج?ع? الطاغية قبلها

تظنها ?ي همس القصيدة? وهدأة الإيقاع

?تراها ?ي صرخة التاريخ الخارج تواً من القابلة وأرحام الشوارع

وتظنها ?ي شوارع وسط البلد ?تلقاها ?ي غيوم غرناطة

وتظنها تجلس? مع أبي جع?ر تجلد الكتب بخطوط الذهب أو تدبر الحيل المذهلة مع مريمة ?تراها تأخذ بيدك إلىشاطئ الطنطورة

تقول لك ضع قلبك هنا ودعه هنا وارسم غدك من هنا كي تعود إلى هنا إلى الساح?ل الأول

لم يأخذ اليأس إلى وضحه الم?غري لأنها تعلم أن الثورة لا تنتصر إلا بعد أن تستكمل كل أشكال الخيبة
ولم تمنحنا أملاً كاذباً
بل دعت ن?سها ودعتنا للتحمل .. وتحملت

وعلى عصا المجاز وعصا خشب البلوط

واصلت السير ?ي طريقها الطويل

تختصره بالر?قة

والر?قة جيلاً أحبها وأحبته

جيل قادم بصباياه وشبابه -الحلوين كما تص?هم دائماً-

يصعد جبل السؤال والمسائلة والبحث عن الحقيقة تحت كومة القش الرسمي

يصعد جبل الظهور العظيم الذي وحده يزيد العيون اتساعاً والعمود ال?قري استقامة

جيلٌ يرى أن الثوابت ما خ?لق?ت إلا لكي نرجها رجاً ونهتك منها ما يستحق الهتك

حتى نعر? ال?رق العظيم والقاصي بين الوراء والأمام

تنشق? ?ي أول العمر عن ثوابت الجدود والتعاليم

تمزق? العباءة الموحدة المقترحة لكل أجسادنا لأنها تحترم? الجسد لا العباءة

تنقد? بدراستها الم?دهشة ك?تب الإبداع وبإبداعها الم?دهش تنقد? العالم .. وتصعد?

?اتركوا الأبواب م?توحة ليخرج الحزن ولتدخل السيدة

وقع? خطاها خ?ي?ٌ وأكيدٌ على هذا الدرج

إنني أسمعه يقترب

رضوى عاشور جزءٌ مما سيصنعه هذا الجيل ?ي أيامه? الآتية

وهو جزءٌ مما صنعته ?ي أيامه? الماضية

إن أثقل من رضوى ما تركته لنا وما تركته لنا

رضوى عاشور تركتنا بعدها لا نبكي بل لننتصر

تركتكم بعدها لا تبكوا بل لتنتصروا