وإن بدلت اللغة العربية التاء بحرف الطاء فصارت فلستين فلسطين، فما زال العدو الأول لمن عبروا الصحراء ولم يتركوا اثرًا هو الفلسطيني ككيان وكتاريخ.
وبما أن الفلسطيني ما زال متهما حسب التوراة بسرقة تابوت العهد، يعود المسروق كما كان زهياً بهياً خال من لعنة الطاعون أو فليقتل السارق وهذا حالنا اليوم.
يعتقد المفاوض الفلسطيني عن جهل أو لربما عن قصد مبيت أنه قادر على التفاوض مع المحتل الصهيوني ضمن أساليب التفاوض التي درسها بعضا من مفاوضينا، ليتقزم الصراع في نظرهم ضمن حلول لإدارة مناطق أو لرفع علم هنا وهناك. ولكن قد نسي الوفد الصهيوني ما قيل وما ذكر وما سيُذكر بمجرد إنتهاء اللقاء. فمازلت أيها المفاوض في نظرهم فلسطيني وإن مر على الحكاية ثلاثة آلاف سنة. وكما قال محمود درويش في جدارية لا تعلق إلا على جدران القلب ”ربما اتسعت بلاد لي كما أنا واحدا من أهل هذا البحر” هذا البحر الذي أوصل الفلسطينيين إلى كنعان. فتخلص أيها الدبلوماسي الفلسطيني من سذاجتك وسوء قراءتك وأوقف مهزلة التفاوض، لأن خصمك لايسمع منك شيئا.
إن قرار القوى العالمية المؤثرة والتي تحاول إيجاد الحلول للصراع الفلسطيني الإسرائيلي مصابة بعمى ألوان المرويات التوراتية، وتتعامل معها كنص تاريخي مدعوم باكتشافات أركيولوجية حديثة. ولكن منذ انتصاف القرن التاسع عشر ومنذ تطور أساليب البحث الأثري وأدواته أكثر في القرن العشرين بدأت تتجلى حقيقة اعتبار المرويات التوراتية نص تاريخي محكم. فانتشرت التناقضات حتى أصبحت موثقة ضمن بحوث تملأ الشبكة العنكبوتية. فكيف سيكون الحل للصراع حلا عادلا وما زال تاريخ فلسطين مدفونا تحت ركام التوراة.
إخراج تاريخ الشرق القديم وفلسطين خاصة من عباءة التوراة والسرد الموجه لخدمة وبقاء الكيان الصهيوني هو الحل والنقطة المثلى لتحقيق العدالة. وفي هذا السياق كتب باحثون عرب وأوروبين الكثير من الأبحاث التي تناقض الرواية الإسرائيلية وتعطي كنعان وفلسطين دورهما البارز في تشكيل التاريخ والجغرافيا الفلسطينية.
إذا نظرنا إلى بعض المرويات التوراتية عن قرب أكثر، مثلاً عندما حارب داوود جوليات الجبار فقد لبس الدرع وحمل السيف فلم يستطع المشي أو القتال، فنزع سلاحه والتقط بضعة أحجار وضرب بها العملاق ليسقط أرضا فيباغته داوود بنزع سيفه وقطع رأسه، ولم تذكر التفاصيل كيف استطاع داوود حمل سيف العملاق ولم يستطع حمل سيف بوزن معتدل نسبيا. كما أن في التوراة تبادل في استعمال كلمة يهوة وكلمة إيل للرمز إلى إله اليهود، مع أن إيل هو أب الإله و البشر الكنعاني فما هو السبب يا ترى؟
أجاب الباحثون عن هذا السؤال وارتباطه الوثيق بحركة الإحياء للدين اليهودي الذي لم يعد يمارس في الشمال أي في السامرة آنذاك. أما بالنسبة إلى أور سالم فقد ذكرت لأول مرة عام 701 ق.م في النصوص الآشورية فأين كانت أورسالم أو أورشاليم ؟ وأين أحداثها بين القرن الثاني عشر قبل الميلاد وحتى التاريخ المذكور؟ أما السامرة فقد كانت كنعانية بامتياز، حيث انتشرت المعابد التى تقدس إيل وبعل في جميع أرجائها، ناهيك عن زواج ابن مؤسسها احاب من جزابيل ابنة ملك صيدون (صيدا). فقد كانت السامرة خليطا من الكنعانيين والفلسطينين واليهود وغيرهم من القبائل العربية بسبب غزو أشور وعادة استبدال السكان التي مارسوها الآشوريين عند غزو أية مدينة. أما أسوار أريحا وحفريات الأركيولوجية البريطانية كاثلين كينيون 1951-1956 فقد كشفت أن أسوار أريحا سقطت تلقائيا في فترة زمنية قبل 300 سنة من الغزو المفترض ليشوع بن نون، حيث نفخ محاربي الإله يهوه في أبواقهم فسقطت المدينة فكيف يعقل ذلك. آخر مثال وهو حديث نسبياً إلى التوراة، هو مثال قلعة ماسادا في الجنوب الفلسطيني في النقب. حيث وقعت المعركة بين القوات الرومانية والثوار اليهود، إنتهت بقتل اليهود أنفسهم على الاستسلام، ضاربين مثالاً على الالتزام الديني والعقائدي ولكن حتى تاريخنا الحالي، لم يجد المنقبون أي آثار للمعركة كما أنه لا يوجد ولا توثيق نصي إلا على يد الضابط الروماني اليهودي المنشق فلافيوس. هذه لمحة بسيطة عن ما تعانيه فلسطين من ظلم تاريخي ونسج جغرافي مزور. وهذه أمثلة قليلة مقارنة بكل تفاصيل المرويات وليس بقدور مقالة مناقشة كل هذه الأحداث والدراسات، ولعل كتّاب مثل فراس السواح أو قاسم الشواف وغيرهم قد يكون بداية مناسبة لمن أحب الاطلاع أكثر.
في النهاية، هذه المقالة ليست للتشكيك بالديانات وليست مساحة للنقاش العقائدي، فالله الذي يوجد بالسماء أجمل بكثير من الذي يتحدث عنه البشر على أهوائهم، إنما هدفها هو محاولة سبقتها الكثير من المحاولات للكشف عن حقيقة الصراع وماهية أسلوب المفاوض الإسرائيلي. إن كشف زيف الحكاية يرفع عن فلسطين بجغرافيتها وتاريخها التزوير ويكون حجر الأساس لعودة حق من له كل الحق.