ضوء يظل مستيقظاً

  • ميساء ادريس

الطبيب النفسي الذي اختارته أمي بعناية و دقة عالية لينظر في أمري، ودودٌ جدا، ولطيف ببذخ معي.

أنا أعلم أن لطفه نفاق، كلُ أطباء علم النفس منافقين ببراءة.
تركته يرحب بأمي و يحاول  تفسير ماهية عمله وأنه أمر طبيعي لا يجب علينا التخوف منه.  ورحت أراقب تفاصيله المستفزة  بدون مبالاة. طوله ملفت جداً، بياض بشرته مفرط  وعيناه بحر.

 

-        "لا أحب البحار في العيون، أفضل أن تظل في مكانها الطبيعي" هكذا رددت عليه عندما سألني .
- هل تظنين أن لديك مشكلة ؟
كَبُرَ البحر في عَيّنيه فصار لغرابة الرد محيطا

-        لم أقصد، أمي تقول أن لدي مشكلة

-        وأنت؟

-        أنا أقول أن لدي مشاكل العالم كله. بجدية

ظن أني أمازحه، ضحك مدعياً أني فكاهية و أمتلك روح رياضية جميلة لتقبل وجودي بغرفته ومبادلته المزاح. حين ترك هذا الظن يحتويه، تأكدت أن لا علاقة له  بعلم النفس و علاجها فضحكت، فظن أني أبادله الضحك لفكاهتي.

- غبي آخر، (علَّقت بنبرة صوت متوسطة)

-        من؟

-        كل من يظن أنه قادرعلى أن يعالج نفساً ببضع أكاذيب مصطنعة
-  أنا أعدك لن أملي عليك شيئا، أنا هنا لأسمعك لا لشيء آخر

-        وماذا تريد أن أخبرك

ـ عما يدور في ذهنك ؟

بحماس :" ضياء"

-        من يكون ضياء ؟

-        ضوء يظل مستيقظاً رغم موته!

هز رأسه لأكمل، طالبا بيده  أن أجلس على الأريكة الخاصة

اعترضت

-         ما دام ضياء في الأرجاء، سأكون بخير

-        من يكون؟  أعاد سؤاله

-        إنها إحدى مشاكلي، لا أعثر على إجابة واحدة حول من يكون ـ همستُ في ذهني" ربما ملاك"!

-        متى تعرفت عليه ؟

-         رأيته مرة حينما مات!

تبدلت ملامحه،  عض على شفتيه  و بشكل مفاجئ أعاد لي حروفه بنبرة مختلفة

-        لا تعرفيه

-        الغريب أنك أنت الذي لا يعرفه!

-        وجب علي إذن أن أعرفه ؟

-        إنه شهيد أضاء الشوارع  برحيله

-        أنت تتحدثين عن شهيد إذن. ممم

دقائق طويلة و هو صامت يفكر، عاد يقول مواسيا

-        رحمه الله

-        فلندعه الآن جانبا؛ مؤكد سنعود إليه .. لكن أخبريني عن مشاكلك الأخرى التي تحدثت عنها في البداية

-        لماذا ندع ضياء جانبا ؟ هو لا يدعني ؟

-        سنعود نتحدث عنه .. لا تقلقي

-        طالبة جامعية أنت

-        لا، ضياء طالب جامعي

تنهد بقلة صبر، بدت ملامحه تتقشر من قناع البراءة و الطيبة

-        لا بأس، كلنا ع هالطريق .. الله يرحمه، لا شيء يزعجك إذن سوى ضياء؟

-        لا يزعجني، بل يفعل .. لا الواقع إنه أمر غريب .. كيف يمكن أن يزعجني، هناك أمر خفيّ يربطني فيه

-        لكنك لا تعرفيه سابقا

-        يحدث أن نعرفهم من بعد موتهم !

-        لا يحدث هذا مطلقا، من أخبرك بحدوث أمور كهذه

-        لم يفعل أحد، انا أعايش الأمر

-        لماذ استيقظت فزعة من نومك في الأمس؟

-        رأيته يقطتع جزء من صدري و يأخذه معه مبتسما

-        من يكون ضياء ؟

-        ضوء يظل مستيقظا رغم موته !

عدل من وقفته، رفع حاجبيه بشيء من الثقة سأل

-        ماذا أيضا؟ صفي لي ملامحه؟ كيف أنه مختلفا، فلنقل ملاكا، كيف مات ؟ عفوا كيف استشهد؟ من كان معه ؟ أنزف دماء، توجع؟  صاح ألما و وجعاُ؟ كان قويا ام ضعيفا؟ أمه كيف استقبلته ، كان نظر اليها و هو ميتا؟ أكا..

-        يكفي، لاتتحدث عنه !

-         حسنا، فليكن كذلك و لنغير الموضوع (نظرة انتصار)

أرشيف فلسطين الشباب