الطبيب النفسي الذي اختارته أمي بعناية و دقة عالية لينظر في أمري، ودودٌ جدا، ولطيف ببذخ معي.
أنا أعلم أن لطفه نفاق، كلُ أطباء علم النفس منافقين ببراءة.
تركته يرحب بأمي و يحاول تفسير ماهية عمله وأنه أمر طبيعي لا يجب علينا التخوف منه. ورحت أراقب تفاصيله المستفزة بدون مبالاة. طوله ملفت جداً، بياض بشرته مفرط وعيناه بحر.
- "لا أحب البحار في العيون، أفضل أن تظل في مكانها الطبيعي" هكذا رددت عليه عندما سألني .
- هل تظنين أن لديك مشكلة ؟
كَبُرَ البحر في عَيّنيه فصار لغرابة الرد محيطا
- لم أقصد، أمي تقول أن لدي مشكلة
- وأنت؟
- أنا أقول أن لدي مشاكل العالم كله. بجدية
ظن أني أمازحه، ضحك مدعياً أني فكاهية و أمتلك روح رياضية جميلة لتقبل وجودي بغرفته ومبادلته المزاح. حين ترك هذا الظن يحتويه، تأكدت أن لا علاقة له بعلم النفس و علاجها فضحكت، فظن أني أبادله الضحك لفكاهتي.
- غبي آخر، (علَّقت بنبرة صوت متوسطة)
- من؟
- كل من يظن أنه قادرعلى أن يعالج نفساً ببضع أكاذيب مصطنعة
- أنا أعدك لن أملي عليك شيئا، أنا هنا لأسمعك لا لشيء آخر
- وماذا تريد أن أخبرك
ـ عما يدور في ذهنك ؟
بحماس :" ضياء"
- من يكون ضياء ؟
- ضوء يظل مستيقظاً رغم موته!
هز رأسه لأكمل، طالبا بيده أن أجلس على الأريكة الخاصة
اعترضت
- ما دام ضياء في الأرجاء، سأكون بخير
- من يكون؟ أعاد سؤاله
- إنها إحدى مشاكلي، لا أعثر على إجابة واحدة حول من يكون ـ همستُ في ذهني" ربما ملاك"!
- متى تعرفت عليه ؟
- رأيته مرة حينما مات!
تبدلت ملامحه، عض على شفتيه و بشكل مفاجئ أعاد لي حروفه بنبرة مختلفة
- لا تعرفيه
- الغريب أنك أنت الذي لا يعرفه!
- وجب علي إذن أن أعرفه ؟
- إنه شهيد أضاء الشوارع برحيله
- أنت تتحدثين عن شهيد إذن. ممم
دقائق طويلة و هو صامت يفكر، عاد يقول مواسيا
- رحمه الله
- فلندعه الآن جانبا؛ مؤكد سنعود إليه .. لكن أخبريني عن مشاكلك الأخرى التي تحدثت عنها في البداية
- لماذا ندع ضياء جانبا ؟ هو لا يدعني ؟
- سنعود نتحدث عنه .. لا تقلقي
- طالبة جامعية أنت
- لا، ضياء طالب جامعي
تنهد بقلة صبر، بدت ملامحه تتقشر من قناع البراءة و الطيبة
- لا بأس، كلنا ع هالطريق .. الله يرحمه، لا شيء يزعجك إذن سوى ضياء؟
- لا يزعجني، بل يفعل .. لا الواقع إنه أمر غريب .. كيف يمكن أن يزعجني، هناك أمر خفيّ يربطني فيه
- لكنك لا تعرفيه سابقا
- يحدث أن نعرفهم من بعد موتهم !
- لا يحدث هذا مطلقا، من أخبرك بحدوث أمور كهذه
- لم يفعل أحد، انا أعايش الأمر
- لماذ استيقظت فزعة من نومك في الأمس؟
- رأيته يقطتع جزء من صدري و يأخذه معه مبتسما
- من يكون ضياء ؟
- ضوء يظل مستيقظا رغم موته !
عدل من وقفته، رفع حاجبيه بشيء من الثقة سأل
- ماذا أيضا؟ صفي لي ملامحه؟ كيف أنه مختلفا، فلنقل ملاكا، كيف مات ؟ عفوا كيف استشهد؟ من كان معه ؟ أنزف دماء، توجع؟ صاح ألما و وجعاُ؟ كان قويا ام ضعيفا؟ أمه كيف استقبلته ، كان نظر اليها و هو ميتا؟ أكا..
- يكفي، لاتتحدث عنه !
- حسنا، فليكن كذلك و لنغير الموضوع (نظرة انتصار)