"نحنا ما عنّا بنات تتوظّف بشهادتها
عنّا البنت بتدلّل كلّ شي بيجي لخدمتها"
صدمتني كلمات أغنية تبثها إحدى القنوات التلفزيونية تحث المرأة على العودة للبيت و التوقف عن العمل! ليست لطلب الدعوة للعودة للبيت بل للأسباب التي أدرجها المغني لدعوته! تبدأ بالقول بأن الرجل سيعمل ليل نهار فقط لتلبية رغبات هذه المرأة و كأنه لا يوجد للرجل العربي غير هم واحد و هو إرضاء المرأة! و ترك كل القضايا في الدنيا! و من ناحية أخرى يطالبها بالعودة للبيت لأسباب مضحكة في نظري و في نظر كل عاقل.. و كأن المرأة التي تخرج للعمل تفقد جمالها أو كأن المرأة لايجب أن يكون همها في هذه الدنيا إلا الاهتمام بجمالها لترضي الرجل! و هو إهمال كامل لكل الوظائف الأخرى التي تنصب فوق كلا الطرفين.
أما السبب الآخر الذي طالبها فيه بالعودة للبيت هو تخوفه من كون المدير سيغرق في غرام زوجته! تأملت قليلا هذا الكلام.. إنه ليس امتهان لنا نحن النساء بل هو امتهان للرجل ذاته! أيكون الرجل عاشقا لأي إمرأة تقع تحت عينيه، قد ينجذب رجل أو إمرأة لشخص يعمل معه، ولكن أيكون بنفس القوة حتى لو كان مرتبطا؟
"بكرا المدير بيعشق و بيتحرّك إحساسو
و طبيعي إنّي إنزل هدّ الشّركة عَ راسو"
ثم هذا المغني يطالب المرأة أن عملها فقط يجب أن ينحصر بقلبه و عاطفته! من قال لهذا الرجل بأن المرأة تفقد إحساسها إذا خرجت للعمل و بأنها لا تستطيع التفريق بين العمل و بين واجباتها كزوجة؟ على العكس تماماً فمن ما أراه بين معارفي من المتزوجين بأن المرأة التي تعمل تنخفض نسبة المشاكل الزوجية بنسبة أكبر من اللواتي لم يخرجن للعمل، فالتي لا تخرج للعمل ينحصر اهتمامها بالبيت و الجيران و القهوة الصباحية أو تبقى محصورة بين أربع حيطان حتى يحين المساء، وطبعا سيحتاج الزوج للراحة و هي ستشعر بالوحدة و تلهي نفسها باختلاق المشاكل و تمثيل أدوار الغيرة و الشك، أو بمشاكل الجيران التي قد يكون الزوج بأمس الحاجة لعدم سماعها!
"شو هالوظيفة اللّي بدّا تفرّقنا بيني و بينك
.... يلعن بي المصاري بحرقها كرامة عينك"
هدي أعصابك يا عمو و بلاش تحرق المصاري لأنها ما بتنجاب بسهولة! يمكن لأنو خرجت للعمل بمرحلة مبكرة من عمري عرفت شو يعني شغل و شو يعني انو تعيش ببلد زي فلسطين.. بصراحة ما بقدر الرجل لوحده أن يبني الجمهورية المزعومة! يعني خلينا نحسبها؟ فواتير ما أنزل الله بها من سلطان، إيجارات سكن، مصاريف ع المواصلات، أقساط مدارس و جامعات، و إنا إحنا بالماضي كانت تعجبنا لعبة بالسنة أنو يقنع ولاد هاي الأيام بهيك إشي؟ الولد بطلع بشوف مجتمع كامل بالمدرسة و بالشارع و بالنوادي.
إن ظروف الحياة الصعبة يا عزيزي تجبر المرأة- التي تدعوها أنت للعودة للبيت و تسلم مفاتيح جمهوريتك- على الخروج للعمل! ليس بإرادتي و لا إرادة أي إمرأة أن تقف مثلي على الحاجز تصل أحيانا لساعات! ليس بإرادتهن يخرجن للعمل تحت أشعة الشمس الحارقة في الأرض، ليس بإرادتهن تكبد أعباء العمل داخل و خارج البيت! و لكن الأوضاع التي نعيشها في هذا العصر تفرض علينا ذلك، حيث صارت أمور كثيرة في السابق كانت تعد من الكماليات أضحت اليوم من الأساسيات التي لا يستطيع الإنسان العيش بدونها، كنا في السابق نرضى بما وفره لنا أهلنا لأنه لا يمكنهم توفير الأفضل و كنا لا ننتقد لأننا لم نكن نعلم! أما في عصر الانترنت و الفضائيات فأنت مضطر لتعايش هذا المجتمع، و بالتالي لا يمكن أن تحرم ابنك مما يتوفر لكل أقرانه، و لا تقل لي بأنك ستعيش سعيد حينما يشعرك من حولك بأنه ينقصهم الكثير.
إن عمل المرأة لم يكن في يوم من الأيام انتقاصاً لها! فأسماء إبنة أبو بكر كانت تعمل حينما تزوجت مع أنها لم تعمل في بيت أبيها. قد يكون عمل المرأة قد فتح عينيها أكثر و أعطاها قوة شخصية و مساحة من الحرية أكثر! ولكنه لم يكن سببا في انتقاص كرامة الرجل!أو سببا في تقصير الزوجة عن أداء واجباتها الزوجية، وفي النهاية إن تعاون كلا الطرفين يساهم في بناء الجمهورية السعيدة.