أين.. يا مجلس الطلبة؟

  • رحمة حجة

لم أجد نفسي فقط بين ثنايا "اللامنتمي" لكولن ولسون الذي يرفض الواقع الاجتماعي و السياسي بكل محدثاته و أبعاده،

إنما بت اللامنتمية أيضاً للجامعة التي نشأت فيها أفكاري فصقل بعضها و الآخر حذف، جامعة بيرزيت التي شهدت خطواتي و ثباتي، ضعفي و ارتباكي، فرحي و تعاستي، كانت لي الوطن و المنفى طيلة أربع سنوات و نصف، و ظل ما يربطني بها بعد التخرج بعض الأماكن الحميمة التي آنست وحدتي فترات طويلة، و قليل من الأصدقاء، و شهادتي الجامعية التي تعتبر جواز سفري للمرحلة العملية من حياتي، أو التي أطمح بها كمرحلة علمية متقدمة على مقاعد الماجستير في أحد أقطار الوطن العربي، لكن، أين هي شهادتي الآن؟

 

أكثر من سنة و نصف ظلت تلك الشهادة حبيسة مستحقات مالية مترتبة علي كي أدفعها للجامعة (دين)، استطاعت أمي بعد هذه الفترة أن تجمعها دفعة واحدة من خلال ما يسمى "الجمعية" التي تقوم بها مع الجارات، حيث أن قسم المالية في الجامعة رفض أن يأخذ الدين على دفعات، فسلمتني المال و أوكلتني للفرحة العارمة التي لم تصبر حتى قررت الذهاب في اليوم التالي للجامعة لتسديد المستحقات.

سريعة خطواتي، و ابتسامة موعودة أمام تلك "الدوسية" الحمراء التي رأيتها قبلاً مع الخريجين، و ها أنا أمام موظفة قسم الشهادات في التسجيل أسأل عن الإجراءات، لتطلب مني تعبئة نموذج من عمادة شؤون الطلبة، لأتوجه إلى كلية الهندسة، و من بين ثلاثة موظفين تعرفت على أحدهم، فأرشدني إلى مكان النموذج و تعبئته، مردفاً:"إن لم يكن هنالك قروض"! و يبدأ الحلم بالانهيار، لتكمل الموظفة الشرح عن القانون الجديد، الذي يطالب جميع الطلبة بـ "تسديد" ما منح لهم من مساعدات مالية كانت تدعى القروض، التي لم توضع يوماً في دائرة "ما بعد الجامعة" في سياسة مانح البركات في عمادة شؤون الطلبة، الذي جلس بهدوء إلى جانب الموظف الآخر، دون أن ينبس بحرف "زيادة" بعد أن ترك للفتاة مهمة الشرح و التوضيح، مكتفياً بابتسامات أظنها تشبه ابتسامات المكلل جبينه بالعار لأنه استسلم للقانون الظالم الذي تتضح أسبابه  مثل سابقيه من ظلم هذه "الفلسطين" التي يبنون!

-كيف ذلك؟ و متى؟

- من سنة تقريباً

- و هل دفع الطلبة ببساطة؟

- نعم، بكل بساطة !

يرد في ذهني سؤال لتلك الموظفة، يا ترى "هل أنت مقتنعة تماماً بما تقولين؟" أم " أنك تنظرين إلى الطلبة من برجك العاجي و للفلسطينيين جميعا من مجهرك البرجوازي الصغير؟". أنا لا أعرفكِ و لا متى استلمتِ وظيفتك الجديدة هذه و فرحت بكِ عائلتك، لكني أرفض حتمية وجودكِ في تلك اللحظة، و حتمية ما تقولينه من صفعة القدر !

كيف تقرر الجامعة مثل ذلك؟ بالأحرى كيف لم يتحرك الطلبة بالرفض لمجابهة الطغيان؟ أين أنت يا مجلس الطلبة؟ أم أن أعضاءك متميزون فقط في الخطابات الرنانة وقت الدعاية الانتخابية و كشف عورة الآخر من منافسيهم؟! أين أنتم أيها "الكادحون" في طريق ماركس أم أن لون "الفالنتاين" خاصتكم بهت في جانب صدركم الأيمن و ما عدتم "اليسار"؟

ألعن نفسي الآن على الفرحة التي كانت تعتريني و تعتري من هم مثلي وقت حصولنا على المساعدات المالية حيث أنها باتت اليوم الخنجر الذي زرعته "وزارة التربية و التعليم العالي" في ظهورنا، حيث علمت أنها تعاني خللاً في ميزانيتها و نقصاُ في أموالها، ما دفعها إلى تعميم القانون غير القانوني على الجامعات بأن لا تسلم شهادة أي خريج قبل أن "يسدد قروضه"! و ما الجديد؟ دوماً كان استغلال الطالب و المواطن هو الحل المناسب لمشاكل الوزارات و الجامعات المالية؟ و كأن أحداً من المذكورين يدفع من جيبته؟ أو من ميزانيته التي لا تقارن بميزانية "المرابطين الأشاوس" على حدودنا الذين يحموننا من العنف و الاغتصاب اليومي لكرامتنا!

أما الحل المطروح فهو "تسديد" هذه المبالغ شهرياً عن طريق أحد البنوك، مع وجود كفيل... إلخ من هذا السياق التجاري المعروف، إنها إذا صفقة رابحة بين التعليم العالي و البنك، أما الخاسر دوماً فهو نحن!

يقولون، إن الواسطات الحزبية تلعب دوراً في حل هذه القضايا فالأجدى أن أبحث في الذاكرة عن إحداها! و يقولون أيضاً، إن الحل المطروح سهل فاكسبيه، و أقول إن "التسديد" يعني الاعتراف بهذا القانون الجائر، تماماً كاعترافنا بالكيان الصهيوني، حيث اختلف الظالم و الظلم واحد. 

أرشيف فلسطين الشباب