الزيارة لم تتم!

  • شذى حمّاد

خمس لقاءات، احتسينا في أحدها فنجان قهوة، والأخرى لم نتبادل بها سوى التحية بمصافحة باردة وأسئلة تافهة - لا أذكر إن اجتمعت عيناي بعينيه خلالها-

ما جمعني بصديقي الغريب منذ تعارفنا قبل عام تقريبا.

 

صديقي الغريب، هو ذاك الذي لا أعرف عنه سوى أنه يحب الشوكلاتا، يكره النوم، يحب الأغاني الثورية، ولا أعرف شيئا عما لا يحب، لا أعرف عمره، لا أعرف حلمه، لا أعرف شيئا عن ماضيه.

ما أن استشعر تحركاته على الفيسبوك، حتى تتهيأ روحي للبدء بمحادثة مقتضبة كالعادة، كثيرا لا تتم، فهو دائما الانشغال على حد قوله، وأنا متعالية أرفض أن أبدأها في كل مرة، لأنام تلك الليلة وأنا نادمة على إضاعة اليوم دون الحديث معه، أو السؤال عن حاله.

بملاحظات وإرشادات جافة، بدأ صديقي الغريب حديثه معي، لا أخفي كم كرهته، كم تمنيت قتله، ولكنه صديقي الغريب الذي قبل أن أتعرف عليه وهو يثير فضولي، صديقي الغريب الذي أسقطت عليه شخصية خالد في روايتي المفضلة "زمن الخيول البيضاء" لإبراهيم نصر الله، كما أسقطت عليه شخصية صادق في رواية "الطنطورية" لرضوى عاشور.

في كل مرة يقول "حقك علي، مقصر معك" مبرراً عدم سؤاله عني، أكتم غيظي ولا ألومه، وأكمل الحديث وكأن شيئا لم يكن، وكأني لا أكنُ في قلبي له شيئا، وكأنه لا يعني لي شيئا، حتى عندما أخبرني عن نيته بالسفر، كنت قاسية بما يكفي لأكتم رفضي وصراخي وغضبي، واستكمل الحديث بدعاء كاذب بالتوفيق.

صديقي الغريب، الآن في زنازين التحقيق وحيداً، ربما يائساً حزيناً كما أبررُ غموضه، وربما قوياً شجاعاً كما يظهر للجميع دوماً، لا تمر لحظة منذ اعتقاله إلا ويزور عقلي، ويشتت أفكاري بأسئلة لا حصر لها،  هل هو في التحقيق الآن؟ هل هو نائم؟ يشعر بالبرد؟ جائع؟ يفكر أنه وحيداً أم واثقاً أن هناك من يفكر به؟

قبل اعتقال صديقي الغريب بيوم، خطط مفاجأتي بزيارة، كما أخبرني صديق مشترك بيننا، وهو ما لم أصدقه، فلم أعتقد يوماً أن صديقي الغريب يهتم لرؤيتي.

الزيارة لم تتم حينها، ولكنها ستتم يوماً ما على خلاف ما غنَّت فيروز لصديقها شادي.

أرشيف فلسطين الشباب