لقد كنت مشوشاً أو حتى مُعمى البصيرة، فحين كان "عهد الأصدقاء"
يبدأ تكون تمام الساعة السابعة يُعلنُ حالة من احتدام المواقف التي سرعان ما تنتهي مع أبي بمشاهدةِ نشرةِ الأخبار.
كنت أجلس متأرجحاً منتظراً انتهائها لأعود إلى ما كنت بإنتظاره منذ الصباح، حتى لو أعيدت أحداثُ الحلقةِ كل يوم، لم أكن أجدُ ضرورةً لهذه الأخبار لأننا نعيشها وندركها، فلماذا ننتظر أن يأتي ذاك الصوت الجهوري ويلخِصُ أحداث النهارِ لنا؛ وكأنه يعلمُ موعدَ الانتظار والخلودِ للنومِ معاً.
لم أكن أبلغ السادسةَ من عمري، ربما ضيق تفكيري وأسئلتي نحو الحياة لم توجه انتباهي لما يحدثُ بعيداً خلف الغيوم، إلّا أنني لم أفكر وقتها من أين تأتي الغيوم. الساعةُ السابِعَةُ من جديد، وهو موعد أبي مع مربع الأحداث، سأجَربُ حظي، ليتني أحظى بالجلوس الليلة لأشعرَ بانتصار يتصبَبُ في جسدي أملاً أن يكون قد اطلعَ على الأحداث من زملائهِ في العمل، لكن لم يحصل ذلك؛ مع أنني شعرت بأنني قريبُ المنال. تبدأ الأسئلة تُزرَعُ في عقلي فأينَ أخطأتُ يا ترى.
"لماذا تشاهدها وما الجديد الذي فاتك اليوم" أقول هذا ولا أدري ما سوف أقابل من رَدٍ عَلني لن أستطيع فهمه "إنها تافهة وغير منطقية، دعني أتابع كرتونيَ المفضل". عجباً، لقد كان منصتاً يتابع ما يقال من ذلك الجهوري بحرص، والمحاولة لا تجدي نفعاً. يقول بأني "لن استوعب ماذا يجري الآن فهذا ليسَ حالنا لوحدنا وإنما حال العالمِ أجمع" ماذا يعني؟ لكن حالنا بخير، أم هو حال الصغار من حولي فقط؟ كلما سألته عن حاله في كل يوم يقول بخير، والجار بخير، والأقرباء بخير، هل يُكَذِبون الجواب ليطمئنوا عقلي الهش؟
عندما قامت إنتفاضةُ الأقصى بدأتُ أدركُ كل شيء، أضبِطُ ما يدور حولي بما زَرعتُ من تهيئاتٍ في باطني؛ لأُدركَ أنني أنا من أكتشفَ الكذب من الهوس، لقد كانت حالهم وحالي بخير خلافاً لمن فقد منزلاً، ولداً، مالاً، أو حتى نشرةَ السابعة!
في وقتي هذا هل أتت المنتجات التركية لتقلل من تزايد الكذب أو لتزيد استقامة الساعة للكبار، بعد كل ما أُشبعوهُ في تلك اللحظات؟ أم لأدرِكَ حقيقة أن ما كنت أنتظر مشاهدته كل يوم، كان يزيدُ عقلي هشاشةً أكثر فأكثر!