معركة مع صرصار!

  • أريج الزميلي

كأي فتاة، كانت الرقة كوكبة ممزوجة بتفاصيلي، وأي خبث في الحياة، ذلك الذي يختبر صبري في وقت الشدائد. تنتظر الأقدار أن تتهيأ الظروف المناسبة وتسنح الفرصة لاختباري،

ليس عدلا أن تواجه الظروف لوحدك، بل وظلم مستعر جائر فرض عليك، والأسوأ أنك إن لم تواجه ستخسر،كرامتك أو قوتك ربما، وأي ألم عندما تصرخ وتتأوه وأنت وحدك، تحاول الهروب ولا تستطيع.. وتنكمش في عقر غرفتك خائفا دون حراك.

 

لعنت الحظ ألف مرة، ليتني لم أفتح النافذة. أي ابتلاء ذاك الذي يأتيني على هيئة صرصار يلبس ثيابا مختارة منتقية! أصفر مذهب، وبني ممتزج بخيوط حمراء لامعة، تباين خلاق. والأجمل فوق كل شيء.. نعم يطير.

أنكمش في قاع الغرفة ولا أنبس ببنت شفة، خشية أن ينتبه علي أو يحس بوجودي، أحاول أن أصرخ ،ولا أستطيع.. وكأن الخوف قطع أحبالي الصوتية، يتحشرج الصوت ويختفي فجأة، يتقدم نحوي خطوة، وأزداد خوفا، دوارا وغثيانا، يا إلهي هل سأتقيأ خلف السرير أم في غطاء الوسادة؟ أذوب حائرة وأناجي الله.

لا أستطيع أن أتخيل أن أحمل 'الشبشب' و… لا وألف لا.. هل أخدش أنوثتي وكبريائي؟ وأي جنون ذلك الذي أفكر به.. أتعلمون ما العاقبة ؟ من سيمسح آثار جريمة القتل غيرك يا حلوة؟ ها؟

أسير خطوة إلى اليسار، فيرفرف اللعين بأجنحته، أتوجس ويصفر وجهي، هل أستسلم ويأكلني.. بكل بساطة، ماذا عن مشروع الجامعة؟ وسفري إلى باريس.. وحبي؟ هل سأصبح قصة تتداولها الصحف والمجلات وقنوات التلفاز والاذاعة وعنوانها  "صرصور أكل الفتاة الجميلة ظلما وعدوانا".. يا الله ماذا عن دعاء نهاية كل صلاة ؟!

أهذه النهاية؟ أهذه عاقبة الذنوب التي اقترفتها في حياتي؟ أكل ذلك لأنني اغتبت صديقتي؟ ولأني لم أجلي الجلي لماما حين طلبت مني ذلك فورا؟ ولم أسمع نصيحة أخي الكبير حين نصحني؟ وكنت أتجاهل دراسة الكيمياء؟ ولم أذهب إلى المسجد طيلة فترة التوجيهي، ولم أقرأ من القرآن سوى سورة البقرة!

أستغيث الله، وتضمر عيناي، وتكاد الدموع أن تنبجس، تتقلص معدتي وكأنني أبدأ بالانهيار.

نظرت إلى اليسار ووجدت علبة الألوان التى كانت في أصلها علبة لبنة، وتخطر لي فجأة فكرة أن أحبسه في داخل العلبة، ولكن أي قوة تلك التي أستطيع خلالها فعل ذلك! أمد يدي وهي ترتجف، ويقشعر جسدي، ثم أسحبها ثانية، وأنا أراقب ذلك الوغد الصغير خلسة.. ثم أدفعها بقوة ثانية، أتناول العلبة وأفرغ ما فيها من ألوان ببطء مستميت، كي لايشعر بي..، وما دفعني لهذه المجازفة الا والله أني لا أريد أن يختبأ في الخزانة أو تحت السرير، وينجب لي المزيد من الصراصير اللعناء المتجبيرن، أرفع العلبة في الهواء.. وينتفض قلبي و تزداد دقاته وكأن هرمون الأدرينالين صب في دمي صبا ! ثم أستمد القوة من الله ،أغمض عيناي الناعمتين، وتنقض العلبة عليه! وأهرب وأصل باب البيت بالتزامن مع الصراخ بـ "يمااااا"

أرجف وأتعرق وأتنفس بسرعة مطلقة وصدري يعلو ويهبط وأبلع ريقي، لقد أحسست بنصر جزئي 'أنا نصف بطلة حقا'!

شرعت في البحث عن أهلي ولكن للأسف لا أحد بالبيت كي يؤازرني في هذه المحنة، أعود إلى غرفتي أمرر ورقة أسفل العلبة ثم ألصقها بالشريط اللاصق من الخارج وأمسك العلبة وأقذفها من خارج النافذة بأقصى سرعة! تنفرج أساريري وأجلس على السرير مرتاحة وأنا أردد 'إني حقا بطلة ' وأشعر بالنصر، وأتساءل كم من أنثى عظيمة فعلت مثلي؟ تحدت وواجهت بكل ذكاء.

أبتسم لنفسي في المرآة.. القليل من الكحل وأحمر الشفاه يفي بالغرض، أصفف شعري، وأحبني..! يا لجمالي، أصل المكتب وأجلس.. أتناول كتابي وأبدأ بالانسجام مع القراءة.. لا شيء يعكر صفوي.. أمد يدي لأتناول عصيري الأثير.. عصير الأناناس.. واذ بي أرى ذلك "الصرصور" نفسه .. متكئا على جانب الكأس يحتسي الرشفات! أضع الكأس بكل برود.. وأنظر خلسة إلى حذائي الوردي.

أرشيف فلسطين الشباب