العنف المدرسي: نتائج وأساليب معالجة

  • عهد أحمد جرادات

يعد التعليم من أهم الحقوق الأساسية التي يجب أن يحصل عليها الفرد،

فالتعليم ينمي القدرات و يساعد على تكوين الشخصية الأساسية، إلى جانب تفعيل مهارات التواصل مع الجماعات عبر تكوين الصداقات و الأنشطة اللامنهجية في التعليم. وبهذا تعد الأساليب التعليمية موضوع مهم يجب أن يتم التركيز عليها في الخطط التنموية والتطويرية للدولة من خلال التركيز على مبادئ حقوق الطفل والاتفاقيات الدولية لما لها من أثر مهم في العملية التعليمية.

و بالرغم من أن المؤسسة التعليمية تعد من أهم المؤسسات التي تصقل شخصية الفرد، إلا أنه في كثير من الأحيان تعاني من منهجيات تعليمية سواء من المناهج التعليمية او من أساليب المعلم / المعلمة التي تعمل على تدمير شخصياتهم و كسر طموحاتهم الفردية مثل اتباع سياسة السخرية أو اتباع سياسة المقارنة بين التلاميذ أو سياسة العنف والضرب ضد الطلاب مما ينعكس سلبا على ابداعاتهم الشخصية. و هنا نسال انفسنا:  لماذا لا توجد مراقبة مجتمعية حول ما يجري في المدارس من عنف جسدي و نفسي ضد الطلاب و الاعتداء على حقوقهم و انسانيتهم داخل المدارس من قبل المعلمين ؟ باعتباره موضوع اجتماعي مهم يعاني منه غالبية المدارس التعليمية سواء في فلسطين او المنطقة العربية بشكل عام، الأمر الذي ينعكس بشكل سلبي على هذه الفئة الناشئة. فنحن بحاجة لمعرفة الأسباب الاجتماعية التي تدفع المؤسسات التعليمية لاتباع مثل هذه الاساليب ضد الطلاب خلال عملية التعليم، و السعي لمكافحتها و التقليل منها، خصوصا في ظل تأثير أفكار الهيمنة  الاجتماعية من عادات و تقاليد، للعمل على نشر مبادئ حقوق الإنسان من جهة وحقوق الطفل بشكل خاص لما لها من تأثير ايجابي في عملية التربية و التعليم للطلاب من خلال تشكيل أجيال منتجة متعلمة واعية بحقوقها.

تعد المدرسة أول بيئة  اجتماعية يعيش وسطها الفرد ضمن التفاعل المجتمعي خارج حدود الأسرة، فخلال هذه البيئة يتعرف الفرد على أفراد جدد فتبدأ حياة تكوين العلاقات والادوار و الاصدقاء، الى جانب تكوين المعرفة و العلوم الفكرية للاتجاهات الإبداعية و المهاراتية. الا ان المدرسة و كأي مؤسسة اخرى تعتريها مشكلات كبيرة أو صغيرة، تنعكس آثارها ونتائجها على موظفيها وطلابها، من حيث عمليات التدريس و المناهج التعليمية وأساليب التعليم التي في أغلب الأحيان وخصوصا في المدارس العربية  التي تفتقر لمبادئ حقوق الانسان و الطفل مثل أسلوب التلقين، الضرب،التهديد و التخويف الى جانب الآليات التعليمية التقليدية القائمة على الضغظ النفسي و الحفظ.الأمر الذي يؤدي إلى انعكاسات سلبية على شخصيات التلاميذ مستقبلا من حيث تكوين شخصيات عدوانية أو ضعيفة مضطهدة هزيلة الامكانيات و القدرات، الافتقار للمشاركة الفاعلة. خصوصا إذا تعرض الطفل لهذه الأساليب العنفية  السلبية في المرحلة الأساسية باعتبارها مرحلة مهمة في تكوين شخصية الطفل و صفاته المهمة.

و من هنا يمكن تعريف العنف المدرسي بأنه سلوكيات و تصرفات تؤدي الى نتائج ضارة سواء من ناحية نفسية داخلية أو جسدية  للطالب من قبل المعلم مثل الاهانة او عدم الاهتمام، او الاستغلال او التحرش، او تعريض الطالب للضرب والأذى مما ينعكس سلبا على الطالب من ناحية عاطفية وجسدية وسلوكية. و من هنا نرى بعض اشكال العنف مثل العنف الجسدي الذي يهدف لاحداث اضرار جسدية أو إيذاءه من خلال الضرب و استخدام القوة مثل ادوات حادة او عصي كوسائل للعقاب مما يؤدي إلى آثار مؤلمة والشعور بالخوف و المعاناة  النفسية وفي بعض الأحيان تشوهات جسدية و مخاطر صحية شديدة. أما العنف النفسي يؤدي لإحداث آثار عاطفية سلبية مثل الاهانة و الاهمال و التهديد و التخويف، إلى جانب استخدام مصطلحات و مفاهيم تهدف للتقليل من مكانة التلميذ و قدراته من قبل المعلم، و تحقير الطالب او نبذه والتقليل من قيمته مثل الشتم.

اضطهاد المعلم و سوء معاملته مع الطالب هو السبب الأول و الرئيسي في هروب الطالب من المدرسة و تركها، كما انه من الاسباب المؤثرة على سلوكياتهم المستقبلية و اتجاههم نحو الجريمة. فالمعاملة السيئة واستخدام العنف تولد الكره لدى التلميذ ضد المعلمين والمدرسة بشكل عام. فبعض المجرمين كانوا يكرهون الدراسة و المدرسة وكان المعلمون يضطهدونهم في السابق حسب دراسة حسين رشوان عام 1995.

من أشكال تأثير العنف كأسلوب يتم استخدامه في التعليم ضد الطلاب على سلوكياتهم عدم الاكتراث لتحمل المسؤولية، عدم الالتزام بالقوانين و المشاغبة. من جانب آخر الانحراف في السلوك، تراجع الأخلاق و المبادئ و استخدام مفاهيم و الفاظ بذيئة، حسب ما أشارت به الكثير من الدراسات النفسية التربوية و الاجتماعية. أما من ناحية المستوى  التعليمي نرى تراجع مستوى التحصيل العلمي الى جانب زيادة نسبة التسرب و الهروب من المدرسة، و ارتفاع حالات التأخير و الغياب الدراسي. بالاضافة لانعدام المشاركة الصفية أو اللامنهجية للطالب و اتجاهه نحو الانعزالية والاكتئاب النفسي و هنا يدخل في حالة الإخلال بالعلاقات الاجتماعية في حياة الطالب و فقدان الثقة بقدراته الخاصة و بالتالي تراجع في مستوى الإبداع الذاتي.

للعائلة دور كبير في التشجيع على ظهور أساليب العنف في العملية التدريسية ، من خلال التشجيع الذي يحصل عليه المعلم من قبل الآباء في استخدام وسائل عنيفة و قمعية ضد الطالب، على اعتبار كونها وسائل تربوية ناجعة، خصوصا في العقاب. و من هنا يتم اتخاذ الآباء نموذجاً تقليدياً في التسلط و القمع، مما ينعكس سلبا على الطلاب واتجاهاتهم الفكرية و السلوكية و تحولها الى سلوكيات غير سوية و انحرافات اجتماعية. فالواقع الاجتماعي الذي تعيشه معظم الدول العربية ومنها فلسطين، قائم على السلطوية الأبوية والتي من أهم سماتها القمع و منع الحريات داخل الاسرة  و تقديس الطاعة، الى جانب استخدام العنف و اصدار الاوامر و الكبت المجتمعي. فسيطرة الهرمية السلطوية على العلاقات كان لها تأثير كبير داخل المؤسسة التعليمية وتأثيرها بثقافة المجتمع، و التي تقوم على سيطرة ( الكبير على الصغير، القوي على الضعيف، المدير على الموظف، الرجل على المرأة ...الخ). فتولدت المؤسسات التعليمية ضمن بيئة مجتمعية تتقبل العنف كوسيلة من وسائل التربية و التعليم ضمن فرض الاوامر و هيمنة المعلم و العقاب. بالاضافة للمناهج التقليدية التي تقوم في جوهرها على التلقين والحفظ مما يفقد الطلاب لابداعاتهم و قدراتهم من التفكير والإنتاج العلمي و عدم مراعاة اختلاف الفروقات الفردية في السياسة التعليمية.

اكثر من خمس الطلاب  ما بين أعمار 12 إلى 17سنة، قد  تعرضوا للعنف داخل المدرسة، حيث وصلت النسب الى  21.6% في الضفة الغربية، و 22.7% في قطاع غزة.  كما أوضحت الاحصائيات إلى أن العنف النفسي كان أكثر أشكال العنف ممارسة ضد الطلاب من قبل زملائهم الطلبة أو المعلمين 25.0% و27.6% على التوالي؛ بالمقابل بلغت نسبة الذين تعرضوا لعنف جسدي من قبل المعلمين 21.4%، مقابل 14.2% من قبل زملائهم الطلبة.

نستنتج بأن المجتمع القائم على السلطوية متقبل للعنف والاضطهاد، اجتماعيا حسب الثقافة العربية من عادات و تقاليد و القيم المتوارثة قديما عبر الأجيال، و هنا نرى بان العدوان و العنف لهما جذور ثقافية ضمن بيئة خصبة قادرة على النمو والتكاثر، لانعدام وجود آليات أمنية واجتماعية قادرة على مواجهتها، فظاهرة العنف تغلغلت داخل المؤسسات التعليمية من خلال الموروث التربوي الثقافي. مما اوجد علاقة قوية بين العنف العائلي و العنف المدرسي.

تحظى اتفاقية حقوق الطفل باهتمام كبير بالاضافة مع الاتفاقيات الاخرى، خصوصا بعد اتساع موجة القبول بها و التوقيع الدولي عليها، فبعد موافقة الجمعية العامة للأمم المتحدة عليها عام 1989م وحتى عام 1994م وصل عدد الدول الموقعة عليها حوالي 157 دولة، وسعي هذه الدول لتعديل  قوانينها وتشريعاتها بما يتناسب مع مبادئ الاتفاقية، إلى جانب القيام بإجراءات و برامج على أرض الواقع، عن طريق الشراكة والتعاون مع المدارس ومنظمات المجتمع المدني. باعتبارها وسيلة للتغير و بناء رؤية جديدة نحو مستقبل مزهر للمجتمع. بالاضافة لدور هذه المنظمات المحلية  و الدولية في مراقبة مدى تطبيق هذه المبادئ داخل الدولة، و التشارك في المعلومات و النقاش حول حقوق الطفل وتحقيقها على أرض الواقع. فهذه الاتفاقيات تركت بصمة ايجابية على وضع الاطفال. خصوصا لما يواجهه الطفل حول العالم من مأساة حقيقية و ظلم و تعذيب و عنف و معاملات لا انسانية من كافة المؤسسات الاجتماعية التي ينتمي إليها و يعيش ضمنها خصوصا في دول العالم الثالث والعالم النامي.

تضمنت اتفاقية حقوق الطفل مجموعة من متنوعة من الحقوق المدنية و الاجتماعية و السياسية و الاقتصادية و الثقافية التي يجب أن يحصل عليها الطفل دون تمييز أو عنف أو تفرقة، الى جانب العلاقة المترابطة بين الحقوق وعدم تجزئتها. حيث تتكون الاتفاقية من 54 مادة و ديباجة و التي تدعو إلى حماية حقوق الانسان و الطفل و الاعتراف بإنسانية الطفل و كرامته، الى جانب الحماية القانونية للطفل.

بحيث تؤكد المادة 13 من العهد الدولي للحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية بأن التعليم حق موجه نحو التطوير الكامل للشخصية الإنسانية و معززاً للكرامة و احترام حقوق الانسان وحرياته الاساسية وضمان مشاركته الفعلية في المجتمع و العملية التفاعلية. فالتعليم يعد من أهم الحقوق التي يجب أن يحصل عليها الطفل، لأن التعليم جزء مهم في الحياة الإنسانية لما له أثر كبير في تنمية الفكر والعقل الإنساني.

الا ان المدرسة العربية في المقابل تعمل على هدم الشخصية الاجتماعية و الفردية للطالب عن طريق التلقين و البصم، حيث تبين الاخصائية النفسية كريستين نصار بأن المؤسسة التعليمية في الدول العربية لا يكون همها و هاجسها الوحيد الا حشو رأس الطفل بالمعلومات عن طريق الاختبارات و الفروض المدرسية، وبالتالي حرمانه من حقه في التفكير و النقاش المتبادل. فهذا الأسلوب التعليمي يعد من اهم الاسباب في فشل العلاقة بين التلميذ و المعلم، فالمعلم يفقد قدرته على الحصول على ثقة الطالب، و توليد علاقة قائمة على العداوة و الخوف بينهما، تنعكس في سلوكيات العنف و الضرب خصوصا في حال عدم تلبية الطالب لمطالب المعلم و الواجبات المدرسية. العلاقة القائمة بين المعلم والطالب هي علاقة قائمة على أساس الفاعل والمفعول به، فالمعلم هو صاحب ادارة العقول و على الطلبة الطاعة والتنفيذ دون حوار أو نقاش، فالمدرسة تحولت الى مكان الخضوع والامتثال و فرض على الطلاب الخوف والكبت، كما هو الحال بالنسبة لسلطة الأسرة، فالسلطة هنا هي سلطة كلاسيكية، فالتلميذ يرى صورة السلطة الأسرية بالمدرسة، فالام ليس لها دور سوى خدمة الأطفال و الزوج فهي ضعيفة أمام قوة و سلطة الأب الذي يعد صاحب قرار، فالتلميذ هو الجزء الاضعف المقترن بالام، امام سلطة المعلم المقترن بالاب. فالتعليم هو نتاج هذا المناخ التربوي سلطوي دكتاتوري التقليدي السائد.

العنف كأسلوب تعامل و سلوك يعد أحد سمات العلاقة الاجتماعية العربية بكافة أنماطها التفاعلية القائمة بين الأفراد و الجماعات و المؤسسات و منها المؤسسات التعليمية، الأمر الذي يشكل خطورة على الطالب بسبب انتاجه لعلاقات صراعية قائمة على مراكز قوة للمعلم و ضعف للطالب، علاقات غير متكافئة، مما ينعكس على قيم وأخلاقيات الطالب و اهتزازا في شخصيته، الأمر الذي يؤثر في تكوين أشكال تشويهية على طبيعة العلاقات بين الأجيال المختلفة.

حيث تفتقر المدارس للاساليب التعليمية الحديثة، ففي دراسة علمية للمجلس البلدي في الخليل حول العنف في مدارس المدينة تبين أن 46% من الأطفال يتعرضون للعنف داخل المدرسة، 20% عنف لفظي، و 14%عنف جسدي، و 12%عنف جسدي و لفظي. بحيث أوضحت النتائج لعدم وجود تشريعات تنص على حماية الأطفال، إلى جانب معاناة الأطفال من مشاكل نفسية من أبرز أسبابها التمييز بين الطلاب داخل المدرسة وأساليب التدريس السيئة القائمة على العنف و التلقين و الإجبار، إضافة لصعوبة المناهج وعدم مراعاة المعلمين للقدرات و الفروقات الفردية بين الطلاب.

و في النهاية اود الاشارة الى مكانة المؤسسات التعليمية في حياة الفرد، فالمدرسة هي التي تساهم بناء شخصية الفرد وقدرته  من خلال  تزويده  بالمعلومات و المعارف. و التي من  ضمن هذه المعلومات يجب ان تكون حقوقه و حرياته،من خلال استناد المناهج على  الاتفاقيات الدولية واتفاقيات حقوق الطفل. إلى جانب الاهتمام بتطوير الأساليب التعليمية و طرق التدريس التي يتبعها المعلم، لما لها تأثير في كيفية ومدى قدرة الطالب على استيعاب الأفكار و الحقوق، و قدرته في اتخاذ القرار للدفاع عن حقوقه بأفضل الأساليب. و من هنا يكمن اهمية دور الحكومة في المسائلة و مراقبة الأساليب التدريسية داخل المدارس لتوفير بيئة تدريسية سليمة للطالب عند دراسته و زيادة  قدرته على الاستيعاب و الوعي. فلنجعل من مدارسنا  مرآة تضيئنا نحو العالم من خلال الاستناد لمبادئ حقوق الطفل باعتبار أطفالنا هم جيلنا الصاعد نحو عملية البناء والتحرير، فلنجعلهم مدركين لحقوقهم قادرين على الدفاع عنها، ولا يتم ذلك إلا من خلال تطوير عملية التعليم .

أرشيف فلسطين الشباب