تغيّرتُ
من بعض قرنٍ إلى اليوم
ما عُدْتُ نفسي.
قطعتُ المسافة بين ابتدائي وبين انتهائي
بغمضة عُمْرٍ
وما أغمض الراكضون ورائي
وكان اشتهائي فضاء
ولكنّني سِرْتُ نحو الشِّراك!
أنا الشجر المشرئبّ إلى مطلع الضوء
جُنّتْ عليّ العصيّ الطويلة
تضربُ أعضائيَ الخُضْرَ عامًا فعاما
فتُسْقِطُ عنّي خصالي وأوصاف قلبي
ألا تستطيع التلاقي بنفسكَ
إنّ المرايا تُكَذِّبُكَ الآن،
لا أنتَ ذاك العفيّ المزنّر بالشمس
والمتلألئ - كالبحر عند الشروق -
ولا أنتَ كالصورة المطمئنّة في صفحةٍ في الهويّة
كلّ ملامحك الآن مسلوبةً
والمواعيد زائغةٌ من خطاكْ
كأنّك تركض بين الإطارات، ترتدّ داخل إسمنتها الدائريّ
فمن أين تخرج؟
هم حدّدوك كأنّ الفراغ حواليك سورْ،
وقد حاصروك كأنّ الخلاء حواليك يوم النشورْ،
وقد أفردوك كأنّ البلاد خلت من سِواكْ!
وما زلت تستهجن الحادثات
وتبكي
كطفلٍ نجا بعد موت ذويه.
وتسمع عبر المسافاتِ من غابة الناسِ صوتًا
تصيح: “هو الصوت”!
لكن، يجيء مروّضك المتبرّج
بالسوط والسكّر الماكر المُطْعِم
والزركشات المضيئةِ في ضجّة العازفين
وفي بهجة المذبحة:
على عُنُق النمر سلسلةٌ من ذهبْ
على لبْدة السبع شال الحرير!
على قدم الفهد خلخال فضّة
تساقطت الآن كلّ الصفات عن الوحش
إذ أتقن الركض بين الإطارات
حتّى تمكّن هذا المروّض أن يعتليه
فما عاد في قاعة الضوء وحشًا
وإن عاد للغاب
أضحى فريسة مَنْ يشتهيه
تَغَيَّرْتُ
رُوِّضْتُ
من بعض قرنٍ إلى اليوم
لم أكتهل، غير أنّي أضعت معاني صبايْ
تساقَطَتِ الآن عنّي خصالي وأوصاف قلبي
فبتُّ أرى في المرايا سوايْ
وأستهجن الناطقين باسمي
وأبكي
كشيخٍ نجا بعد قتل بنيهِ!
وما زلت أسمع صوت المُرَوِّضَ
مبتهجًا
وتعاليمه مستجابةْ
يروّض وحشًا
فيحرقُ غابةْ
وما زلتُ أسمع من شجر الناسِ صوتًا
يحاول أن يقتربْ
لي قارب في البحر
أنا ختام هزائم العربيّ وهو هزيمتي الأولى وعاري طائِلُهْ
قل إنّني مَنْ يُخْرِجُ الأشكالَ من أضدادها
يبني ويهدم ما استطاعت كفّه ومعاولُهْ
قل إنّني شقٌّ نحيلٌ في جدار الوقت يكمن في انتشاري هولُهُ وزلازلُهْ
قل إنّني الدربُ الحرامُ ومَنْ مشاهُ ومَنْ هَدَتْهُ مشاعِلُهْ
قل إنّني مَنْ يحفظ القسماتِ حتّى لو تَقَنَّعَ قاتِلُهْ
قل إنّني سَكْبُ الغمامِ، على أواخِرِهِ تهلُّ أوائِلُهْ
قل إنّني نَزْفُ الحمامِ إذا هَوَتْ عند الحدودِ زواجِلُهْ
قل إنّني ساعي البريد من الشهيد إلى الشهيد لكي تُصانَ رسائِلُهْ
قل إنّني مَنْ كان من غاياته نسجُ الحياةِ كما القميص وإنْ بدا أنّ القبورَ وسائِلُهْ
وأنا البشاشة والوجوم أنا التراجع والهجوم أنا السؤال وسائِلُهْ
قل إنّني مَنْ لو تكادُ يداهُ أن تتصافحا مع مستبدٍّ لم تُطِعْهُ أنامِلُهْ
قل إنّني البنت الجموحةُ أفلتت من سِجْنِها القَبَلِيَّ تُدمي كفّها أقفالُهُ وسلاسِلُهْ
قل إنّني سأموت دون مداخل الوطن الّذي تعطى الحجارةَ والصغارَ مشاتِلُهْ
قل إنّني بحرٌ تتالى فيه غرقاه الكثارُ وما بَدَتْ للمبحرينَ سواحِلُهْ
قل إنّني المجنونُ، أبصرُ موت حلمٍ رائعٍ… وأواصِلُهْ
ولد
ولدٌ يقلق الوالدين.
والٌد يكتم الإعتزازَ
ووالدةٌ لا تبوح بما يخلع القلب حين يغيب الولدْ.
ولدٌ ولهُ وَلَهٌ بالكتبْ
ولدٌ وله ولعٌ باللعبْ.
وحين تباغته نظرة الجد بالإرتيابِ
يخادعه بالكذبْ.
ناحلٌ، اجعد الشعر، في خده شامة
وله شارب من زغبْ.
ولدٌ،
حين عادوا بجثته
كان في صدره مخزنٌ من رصاص الجنودِ
وفي عينه نظرة من عتبْ.
غـمزة
غمزة من عينها في العُرس
وانجنَّ الولد!
وكأن الأهلَ والليلَ وأكتافَ الشبابِ
المستعيذين من الأحزان بالدبكةِ
والعمَّات والخالات والمختار
صاروا لا أحدْ!
وحدهُ اللوِّيحُ، في منديله يرتجُّ كل الليل
والبنت التي خصَّتْهُ بالضوء المصفَّى
أصبحت كل البلدْ..
مدّ يمناه على آخرها
نفض المنديل مثنَى وثلاثَا
ركَّب الجن على أكتافه ثم رماهم، وانحنى
ركَّبَ الجنَّ على رُكبته ثم رماهم، واعتدل
قَدَمٌ ثبَّتَها في الأرض لمحاً
ورمى الأخرى إلى الأعلى كشاكوش
وأرساها وتدْ.
كلما أوشك أن يهوي على سحجة كف
جاءه من سحبة الناي سندْ.
يلقف العتمة كالشهوة من أعلى بروج الليل
حتى ضوء عينيها تماماً
يعرق الصدر وشعر الصدر
من ميلاته يُمنَى ويُسرَى
ثم يسري عرقُ الظهر عموديّاً تماماً
وحياء القلب خلَّى كل ما في القلب يخفَى
والقميصُ الأبيضُ المبتلُّ
من أكتافه حتى حِزام الجلدِ
خلَّى فقرات الظهر تُحصى بالعددْ.
غمزة أخرى ولو متُّ هنا
غمزة أخرى, ولو طال انتظاري
للأبدْ!