الوقت لا يعود..

  • مهيرة جازي

طفولتي، دراستي، تخرجي، والآن عملي. حياتي كلها كانت ممتلئة بأشياء فُرضت عليّ. كنتُ أسأل نفسي دائما ماذا لو لم تكن المدرسة إلزامية.

ماذا لو امتلكت حُرية الاختيار. ماذا لو كانت الحياة سهلة بهذا القدر. الآن أُراجع شريط  حياتي الذي كُنت أظنه طويلاً، هذا الشريط احتاج منّي أقل من دقيقة لاستحضاره. كنت مشغولة دائماً. دراسة، عمل، تعب تعب تعب. لن أقول لم تمنحني الحياة؛ بل سأقول لم أمنح نفسي فرصة الحياة. أعترف بكامل قواي العقليّة أنها خدعتني وبامتياز. نفسي، عائلتي، أصدقائي، أين هم من حياتي؟ تقريباً لم أكن أملك الوقت لهم! الوقت مَلكني وأنا لم أستطع أن أملك القليل منه فقط.

 

دائماً، نَعلمُ جيداً قيمة من كانوا في حياتنا بعد غيابهم. كانت جمعة صادمة تحمل عنوان "السرطان". عشت طوال هذه السنين وَلم أفكر يوماً أنني أحيا حياة رائعة. يكفي أن تمتلك صحة جيدة لتنعم بأثمن حياة. الآن جاء وقت دفع الثمن. كانت الأصوات عالية جدّاً، الأصوات العالية تُخيفني. كلّما سمعت صوتاً عالياً يرتجف قلبي، أُغمض عيني، وأسدّ أُذني بيدي وأبكي. أخي المسكين، منذ ما يقارب الشهر وهو يتألم ويأخذ دواء لا يَمتّ لمرضه بشيء. تعبت أقدامنا ونحن من هذا الطبيب إلى ذاك. دون جدوى لمعرفة مرضه. في تلك الليلة تعب كثيراً ونقلناه إلى العناية المركزة في إحدى المشافي عديمة الحيلة. يوم الجمعة هو ذات اليوم الذي فقدنا فيه أختي. يأتينا اتصال مستعجل في وقت مبكر من المشفى، وبعدها بدأت الأصوات تعلو بالبكاء. إنّه السرطان. هذا الاختناق كيف لي أن أنساه. هذا الانكسار كيف لي أن أكتبه. لا يمكنني. تلك الليلة لم يذق أحداً منّا طعماً للنوم. بكينا طويلاً وليت البكاء أتى بالقليل من الراحة. كان عديم الحيلة هو الآخر.

كانت حياتي مملة. لم يكن يُعجبني شيء. لا شيء. كنتُ دائمة التذمر من كل شيء. الآن وفي لحظة الألم هذه علمت كم كنتُ أحيا حياة مريحة ثمينة لا تُقدّر بثمن. في صباح اليوم التالي يأتينا اتصال آخر أنّ أخي بحاجة إلى متبرعين بالدم. ذهبت وأنا أختنق، كيف سأراه؟ كيف سأدخل المشفى؟ كيف سأواجه كل ذلك الآن؟  كانت الطريق بالسيارة أطول من رحلة حول العالم بأكلمه. كانت هذه المرة الأولى التي سأتبرع بها من دمي. المرة الأولى التي سأدخل بها المُعاناة الحقيقية.  وَكانت الطريق إلى المشفى أطول 30 كيلو متر من الدموع .

 

إذهب إلى المشافي، وصلّي لله فرحاً لأنك لا تُعاني إلّا الصحة.

ونصيحة أخرى

الوقت لا يعود. فافعل ما تريد فعله الآن

أرشيف فلسطين الشباب