أنتظر تلك العناية..

  • مي عبيات

كنت في الخامسة من عمري حين جلست على حافة الطريق أنتظر أمي لتعود وتأخذني إلى مكان  بعيدٍ عن تلك الحافة المشؤومة التي طالما شكلت لي مثلث رعبٍ أخشى اجتيازه،

كان يوماً مشمساً جميلاً خرجت فيه مع والدتي، ولكن حدث أن نسيت نفسي في إحدى المحلات التجارية حين كنت أشاهد التلفاز؛ فلم تنتبه لي أمي حين خرجَت وبقيت هناك وحدي.

لاحظت أن المكان فارغاً ممن أعرف، خرجت أبحث عن رائحة والدتي لعلها شدتني إلى الطريق الصحيح التي ذهبت منها، وحين عجزت عن ايجادها جلست والدموع تغرق عيناي ويكاد قلبي يتوقف من شدة الخوف، حاولت جاهدة أن أستعيد ذكرياتي التي كانت توجهني بها أمي في حال واجهت موقفاً كهذا، ولكن شعرت بأني فقدت كل التوجيهات إذ فقدت ذاكرتي بالكامل من شدة الرعب الذي دبّ فيّ ومما كنت أرى في برامج التلفاز عن أشخاص سيئين قاسين على الأطفال، وياليت لو كان ما رأيت يقتصر على ذلك. كان في زاوية الطريق طفل صغير يشبهني يحمل بعض الحاجيات لبيعها للمارة على أمل أن يشفقوا على طفولته، ثيابه الممزقة، دموع عيناه، نظراته المسكينة، صوته الحنون الصغير وهو يقول لهم باكياً ساعدوني وأنقذوني من معاناتي، ربما لم يفهم أحدٌ غيري تلك النظرات، لأن عيناي امتلكت نفسها وشفتاي نطقت بتلك الكلمات باحثةً عن أمي.

وعلى حافة الطريق جلس عجوز كبير فقير ينتظر رغيف خبزٍ يؤمِن به قوته، ولا عجب أنه امتلك نفس النظرات التي امتلكناها أنا وذلك الطفل! كنا ننتظر النجدة ولكن كل منّا حسب حاجته.... مر الوقت بثقل، لم تمضِ سوى ساعتين وأنا كعصفور يتيم مكسور الجناح لا يعرف طريق الرجوع، وفجأة بدأت أرى ظلاً من بعيد يقترب، يشبه ما كنت أسمع عنه في الروايات، شرطي المرور، لا أعلم كيف تمالكت قواي ونسيت خوفي ومسحت الدموع من عيناي واتجهت نحوه طالباً نجدته لكي يجد عائلتي، فقد أثقل الاشتياق كاهلي.  كان ذلك الشرطي صديقاً لوالدي، سألني عن اسمي فأخبرته اسمي بالكامل، وفي داخلي أمنيات بأن لا يكون ذلك الشرير المتنكر بثياب شرطي، وحين سمعت صوت والدي على الهاتف ذرفت عيناي دموعاً من شدة الفرح، أدركت كيف أنقذني اسم والدي وأعادني إلى عائلتي، ومنذ ذلك الحين وأنا أفكر بالعناية الإلهية التي أوصلتني إلى بيتي.. لكنني مازلت أنتظر تلك العناية لتنقذ الطفل والعجوز وغيرهما الكثير.

أرشيف فلسطين الشباب