لنا هنا مخيم وهناك أرضٌ وحقٌ وحياة

  • رزان البلاصي

بفطنة تؤخذ العبرة ويقاس المعنى . أنظر بفضول إلى ما خلفته هذه العقود، إلى ما كان أجدادنا عليه وإلى ما نحن به الآن،

لو بقينا كيف سيكون حالنا؟ وبما أن الأمور تقاس بمثالٍ قريب فنحن سنكون بخير بالتأكيد، سوف تتشقق أيدينا بفصل القطاف ونعصر الزيتون ويأخذ كل ذي حقٍ حقه، سيكون لكل واحدٍ منا شرفة تطل على حديقة أمام منزله أو خلفه أو بجواره، ستدخل الشمس من كل النوافذ في الصباح ونجلس نتأمل الغروب من علو المنازل، ستكون الشوارع واسعة وبالطبع لن يكون هذا التلاصق موجوداً. وبعد هذا كله هل بما نحن عليه الآن لسنا بخير!

 

قد تكون أيضاً جل المشكلات بالبيت تترأسها جملة من سيعيننا على حراثة الأرض وسؤالٌ يأتي بغتة ما رأيكم لو نبيع قطعة أرض مما لنا؟ وتعلق الإجابات بين مؤيدٍ ومعارض يرى أن البيع ليس مكسباً بل خسارة عظمى لأرثٍ يتغنى به ولا يغنى منه ربما. دون المثول للتعميم المطلق ف لربما تأخذ المشكلات هيئة أخرى.

الحياة ليست الحياة ذاتها ولعل من أسباب البقاء بمجدٍ هو فناء العيش الرغيد، ولعل العيش الرغيد يحفه المجد أيضاً ولكنني أستأثر الأولى. فنرجع لإطالة النظر إلى الواقع دون المثول لحياة لعل ما مضى لو بقيَّ كان كصورة من صورها التي ستجعلنا نحفل داخل ذواتنا أو نمقت ما كنا عليه ربما. لكن على الرغم من هذا بقينا نحن بصورةٍ حقيقة لا يشوبها زيف أو ازدراء معيب.

ولكن في نهاية المطاف وبعد الخروج من صندوق ذكريات الأجداد وآمالنا التي لا تدنو منا مهما سيق لها من يأسٍ وبطش، نعود للتلاصق الذي جعل كلاً منا يقدم جاره على نفسه، وبكل تأكيد جعلنا نعتاد أيضاً على ما يخلِّفه من آثار لربما تراها بعينٍ ضيقة على أنها مزرية لحدٍ ما وأنه مكان غير قابل للعيش، ولكن الضيق محصورٌ إلى هذه اللحظة في داخلك. وأن لأصعب المعارك ما هي إلا لأقوى جنوده، فقد خلف لنا صغر المساحة ذاكرة جليدية تنظر كل صباح بعين تتطلع الثأر إلى الجدران التي تحمل أبناء العائلة ولكن هذه المرة من الخارج، تحفر ملامحهم داخل عقولنا وأسمائهم تشق الأفئدة، شهيدُ هذا البيت مرسومٌ على حائطه فحين يلفح الشوق أمُه تذهب فتجلس تحت الحائط فتنظر إليهم وكأنه يسند المنزل بأكمله بينما هي تستند إليه. أتطمئن الأمهات بهذا؟

وأن لكثرة الأمان داخل الأنفس تجعل للرعية حرية ورأيٌ وقولٌ وقوة، ومن يخلُد إلى مأمن فيختار المكوث بآخر لدواعٍ هشة أو بريقٍ زائف أو خوفٍ مبطن، فما سمعنا أصدح من صوت الفتية هنا بقول الحق فتراهم متقدمين عقلاً وقولاً وهيئةً ذاتَ عزيمة وخطى ثابتة، وما عَرْفَ الحجر أفرس من الأيادي التي عرفها هنا. فيأمن الإنسان وينل حريته وهو بمنفى عنها والقيود تحيطه فيراها غيمٌ منثورٌ عليه وصخورٌ مدببة على صانعها فتعجب. فلا ينفك الفرد عن القول وطني في كلِ شدةٍ ورخاء. فالحسابات ليست ذاتها ولا الشوارع ولا حتى الجدالات، وأنَّ نظرة الامتنان لكل هذا تفجر آباراً من الفخر ف والله لا تعطى أصعب المعارك إلا لأقوى الجنود. فما لم تحط عليه صبراً وأنت لا شأن لك به ليس كمن ينعم بصبرٍ وهو ذو شأن.

فماذا لو تشققت أيدينا وعجلنا ببعض المراهم والماء، ماذا لو لم تكن صورة ولدها على الحائط أيسقط المنزل حينها؟ ماذا لو لم نكن الوجه الوحيد الذي يمثل حق هذه البلاد بما لها؟ ماذا لو لم نكن الحقيقة الوحيدة على الوجود أمام أنفسنا والعالم أجمع.

أرشيف فلسطين الشباب